محتويات
الهايكو هو شكل من أشكال الشعر الياباني، يُعد من أقصر الأشكال الشعرية في العالم. يتألف الهايكو التقليدي من سبعة عشر مقطعاً صوتياً، موزعة على ثلاثة أسطر وفق النمط الصوتي 5-7-5. تقليدياً، يركز الهايكو على التقاط لحظة عابرة من الطبيعة، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بفصول السنة.
في العصر الحديث، تحرر الهايكو من كثير من قيوده التقليدية، وانتشر عالمياً ليصبح نوعاً حياً، إذ استخدمه شعراء من ثقافات متعددة كأداة مرنة للتعبير عن التجارب الإنسانية المعقدة، بما في ذلك القضايا الاجتماعية والسياسية.
لم يظهر الهايكو كشكل مستقل فجأة، بل تطور تدريجياً من أشكال شعرية يابانية أقدم.
نشأ الهايكو من المقطع الافتتاحي المعروف باسم "الهوكو" ضمن شكل شعري أطول يُسمى "الرينغا" أو الشعر التسلسلي. كان الهوكو يحدد نغمة القصيدة ويرتبط بفصل معين من السنة، ومع مرور الوقت بدأ يُكتب ويُقرأ بشكل مستقل.
يُعتبر ماتسو باشو (1644-1694) من أبرز الشعراء الذين ارتقوا بالهايكو إلى مستوى فني عميق. تأثر باشو بتعاليم بوذية الزن، وأدخل في قصائده بعداً فلسفياً وروحياً، ركّز فيه على العلاقة المتناغمة بين الإنسان والطبيعة.
في أواخر القرن التاسع عشر، ومع انفتاح اليابان على الغرب، قاد الشاعر ماساوكا شيكي حركة إصلاحية كبرى في الشعر الياباني. وهو أول من استخدم مصطلح "هايكو" رسمياً لتمييزه عن "الهوكو" القديم، ودعا إلى مفهوم "الرسم من الطبيعة"، أي التعبير الصادق عن المشاهد الواقعية بعيداً عن التزويق والمبالغة. كما سمح بتجاوز بعض القيود التقليدية مثل ضرورة وجود كلمة موسمية في كل قصيدة.
يتميز الهايكو بثلاث خصائص أساسية:
البنية الصوتية: يتكون من 17 مقطعاً صوتياً توزع على ثلاثة أسطر بالنمط 5-7-5.
الكلمة الموسمية (كيغو): تشير إلى أحد فصول السنة، مثل أزهار الكرز للربيع أو الثلج للشتاء.
الكلمة القاطعة (كيريجي): وهي أداة لغوية تفصل بين صورتين داخل القصيدة، مما يمنحها عمقاً وتأملاً مضاعفاً.
في القرن العشرين، تحول الهايكو من التركيز الحصري على الطبيعة إلى الاهتمام بالإنسان وقضاياه.
ظهرت هذه الحركة قبل الحرب العالمية الثانية، وتميزت بالتجريب في الشكل والمضمون، فبدأ الشعراء في إسقاط الكلمة الموسمية، واعتمدوا على الإيقاع الحر. كما تناولوا قضايا اجتماعية وسياسية، وهو ما أدى إلى اضطهاد بعضهم من قبل السلطات العسكرية في اليابان خلال تلك الفترة.
بعد الحرب العالمية الثانية، واصل الشعراء هذا الاتجاه النقدي، ومن أبرزهم كانيكو توتا الذي استخدم الهايكو لانتقاد واقع اليابان الصناعي الحديث وما نتج عنه من اغتراب وتشيؤ اجتماعي.
انتشر الهايكو في العالم منذ أواخر القرن التاسع عشر، وتكيف مع خصائص اللغات والثقافات المختلفة.
كان للمترجمين مثل لافكاديو هيرن دور مهم في تعريف الغرب بالهايكو. تأثر به شعراء الحركة الصورية مثل عزرا باوند، وفي منتصف القرن العشرين ارتبط الهايكو ببوذية الزن، وأُسست جمعيات أدبية متخصصة به مثل جمعية الهايكو الأمريكية عام 1968.
دخل الهايكو إلى الأدب العربي في أواخر القرن العشرين، وواجه في بداياته صعوبة في التكيف مع التقاليد الشعرية العربية. ويُعد الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة من أوائل من كتبوا قصائد قصيرة على نسق الهايكو، كما برز شعراء عراقيون مثل علي القيسي الذين عملوا على تطوير شكل عربي محلي له، وأطلقوا عليه أحياناً اسم "التصويرة" أي الصورة الشعرية المكثفة.
يُعد الهايكو حديث العهد في الأدب الكردي، وما زال حضوره محدوداً. ويُنسب إلى الشاعر لطيف هلمت الفضل في إدخال المصطلح إلى الوسط الأدبي الكردي، ومع مرور الوقت ظهرت مبادرات أدبية ومجموعات شعرية تسعى إلى نشر هذا الشكل وتطويره.
لم يعد الهايكو يُنظر إليه فقط كشعر تأملي في الطبيعة، بل أصبح وسيلة فاعلة للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية. فاختصاره وتجاور صوره يمنحانه قوة مكثفة في النقد والتلميح.
وقد تناولت دراسات حديثة هذا البعد النقدي، منها دراسة أكاديمية بعنوان "الهايكو والإصلاح الاجتماعي: دراسة ماركسية عابرة للثقافات" للباحث مرتضى جابر حمد (جامعة صلاح الدين، 2025)، التي حللت دور الهايكو في التعبير عن المقاومة والإصلاح الاجتماعي من خلال مقارنة أعمال شعراء من ثقافات مختلفة مثل ريتشارد رايت، وكانيكو توتا، وعلي القيسي، ورونيا روزبياني. خلصت الدراسة إلى أن الهايكو، بإيجازه وعمقه، يمثل وسيلة أدبية عالمية لتصوير معاناة الإنسان ومقاومته للظلم، مؤكداً دوره كفن يعبر عن الوعي الاجتماعي والإنساني عبر الثقافات.