ما هو اسلوب النداء


الكاتب: غفران اليوسف -

ما هو اسلوب النداء

أسلوب النداء في اللغة العربية

النداء لغة

ويُعرّفُ لغوياً بأنه: "مصدرُ نَاديتَهُ مُنَاداةً ونِدَاء. وانديَا أندَاء، إذا أفضَلت"، والنداء هو الصوت، وهو اسمٌ ممدود، والدعَاء أرفع الصَوت، وفُلان أندَى صَوتاً من فُلان، بمعنى أبعدُ مذهباً وأربع صوتاً، و(نَاداه) صَاح به، و(تَنَادوا) أي نَادى بهم بعضهم بعضاً.

النداء اصطلاحاً

النــداء هو: "طـلب الإقبال من المخـاطب على المتــكلــم بحــرفٍ مـــن أدواتــه", وهو بهذه الأدوات سواء كانت ملفوظةً أو مقدرةً، تنَاب منَاب (أدعو)، أمَّا الإقبال فيشمل الإقبال الحقيقي والمجازي ويَقصدُ به الإجابة، فالنداء إنشاء، ويُعرّف بأنه ما يحمل المنادى على الالتفات بأدواته، أو هو: "استدعاء شخص لمخاطبته، وله سبعة أحرف هي: "الهمزة – يا – أيا – هيا – آ – أي – وا".

أمَّا المنادى، فيعرف لغة هو "المطلوب إقباله مطلقاً، وفي اصطلاح النحاة هو "المطلوب إقباله بيا أو إحدى أخواتها"، فالمنادى هو الاسم الظاهر الذي يطلب إقباله والتفاتة بأحد حروف النداء، فهو من المنصوبات؛ لأنه منصوب على الحقيقة، أو يكون مبنياً على الضم في محل نصب.

ويكون المنادى خمسة أنواع: المفرد العلم، والنكرة المقصودة، والنكرة غير المقصودة، والمضاف، والشبيه بالمضاف، وهذه الأنواع تكون على قسمين:

أ‌- قسم يجب بناؤه على الضم ويشمل: (العلم – النكرة المقصودة).

ب‌- قسم يجب نصبه، ويشمل: (المضاف – الشبيه بالمضاف – النكرة غير المقصودة).

ومن الأكثر استعمالاً لأدوات النداء هي ( الهمزة) و(يا), فالهمزة :

كما يراها سيبويه تكون وحدها للقريب المصغي، وغيرها من الأدوات للبعيد مسافةً أو حكماً، وبهذا فالهمزة هي للمنادى القريبDiwan al-Shab al-Zarifوهذا ما ذهب إليه قسم من النحاة بان كل أحرف النداء ماعدا الهمزة، تكون لنداء البعيد، أو بمنزلته، والهمزة للقريب، ونصَّ سيبويه في كتابه على أن الأربعة غير الألف (وقصدَ بها الألف الممدودة، إذ انه لم يذكرها، وإنما ذكرها ابن مالك) قد يستعملونها إذا أراد وأن يمدوا أصواتهم لشيء متراخٍ لأي إنسان معرض عنهم، فيستعملونها في موضع الألف التي هي للمد، ولا يستعملون الألف في إمدادهم للصوت، وبهذا تستعمل الهمزة إذا كان صاحبك قريباً.

ومما منها قول الشاعر:

أَأَحْبابنا هَلْ عائِدٌ في حِماكُمُ أُوَيْقات أُنْس كلّها زَمَنُ الصِّبا

فالهمزة هنا جاءت لنداء الأحبة، ونستعمل لنداء المصغي إليها، وبذلك نادى بالهمزة، وليس بالألف الممدودة، والمضاف في (أحبابنا) هو المنادى.

ويقول أيضا:

أأبي وإنْ جَلَّ النِّداءُ وَقَلَّ مِقْ دارِي نِداءُ العَبْدِ للسَّاداتِ

جاءت الهمزة حرف نداء، وتستعمل للقريب، فكأنه نادي (أبي)، وهو مضاف وقوله:

أَأَحْبَابَنَا بِنْتُمْ وَخَلَّفْتُمُ الهَوَى يُملل حَرَّ الشَّوْقِ مِنَّا على الجَمْرِ

الهمزة لنداء الأحباب من العاقل، القريب الذي يصغي إليه، أمَّا المنادى بعد حرف النداء فهو (مضاف).

أمَّا (يا):

فحرف نداءٍ يستعمل للبعيد، أو بمنزلته؛ لأنه يستطيع امتداد الصوت بها، و(يا) أكثر حروف النداء استعمالاً، فهي للبعيد أو ما في حكمه، مثل النائم والساهي، وتكون متحملة الضمير، ولا ينادى الاسم الظاهر، مثل: يا خالدُ تقدم، إذ لم يكن في القرآن الكريم حرف نداء غيرها.

و(يا) تكون لتنبيه المنادى، مثل: يا زيد، فيها حرف نداء، وتسمى بـ(أم باب النداء)؛ فدخلت في جميع أبوابه، وانفردت بباب الاستغاثة، وقد ينادى بها عن القريب والبعيد، فالمنادي القريب توكيد، وأجاز سيبويه نداء القريب بالبعيد، على سبيل التوكيد، فقيل إنَّ (يا) هي مشتركة ويقصدُ بها القريب والبعيد، بسبب كثرة استعمالها، ولهذا السبب نقول أنها تحذف في النداء، كقوله تعالى: "يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا "، وقوله تعالى: "رَبَّنَا آمَنَّا" وتقدير وجودها: يا يوسفُ، ويا ربنا.

وذهبَ المبّرد ومن وافقه من النحويين إلى ما ذهبَ إليه سيبويه بأن (يا) تكون لنداء القريب والبعيد، وزعم ابن برهان أنها تكون للبعد والمتوسط والقريب، وأجمعوا على الرأي الأول على سبيل التوكيد، ومنع الكثير منهم العكس.

ومن أمثلتها قول الشاعر:

يا زَائِراً جَعَلَ الدُّجُنَّةَ مَرْكِبا أَهْلاً على رُغْمِ الوُشَاةِ وَمَرْحَبَا

(يا) حرف نداء للقريب.

و(زائرًا) منادى، وهو نكرة غير مقصودة، وقول الشاعر:

يا قلبُ حَتَّام تَهْوَى مَنْ سَلاكَ وَيا جَفْنَيَّ كَمْ تَبْكِيانِ الجيرةَ الغَيَبا

فـ(يا) حرف نداء، للقريب، (قلب) منادى نكرة مقصودة، وقوله:

يا دَهْرُ قَدْ سَمَحَ الحَبِيبُ بِقُرْبِهِ بَعْدَ النَّوَى وأَمِنْتُ عَتْبَ مُحبِّهِ

(يا) حرف نداء للقريب، و(دهرُ) منادى وهو نكرة مقصودة.

فـ(أيا): حرف نداء، يُنادى به للبعيد، واتفق الجميع على أنها من حروف النداء، وقال الشاعر:

أيا ظبيةَ الوَعسَاء بين جَلاجِل وبين النَقَا أ أنت أم أم سالم ؟

فـ(أيا) حرف نداء للبعيد، ولا يمكن حذفها وإبقاء المنادى، أمَّا إذا وجد المنادى دون حرف نداء فإنَّا نحكمُ بالحذف لـ(يا)؛ لأنها أم الباب كما عرفنــــــا، وأمكن امتدادُ الصــــــــــوت فيـــــــــها: "وهــــذه الأحـــــــرف الثلاثــــــــة التـــــي هـــــــي (يــــا) و(أيــــــا) و(هيــا) أو آخرهن ألفات والألف ملازمة للمد، فاستعملت في دعائهم لإمكان امتداد الصوت ورفعه، وليست الياء هنا في (أي) كذلك، لأنها ليست مدة، والهمزة ليست من حروف المد، فاستعملت للقريب" ، ومنها قول الشاعر:

أيا قمراً أعد عندي طُلوعاً وإلاَّ فاتخذ عندي مَغيبا

فـ(أيا) حرف نداء للبعيد، وبعده المنادى (قمراً) نكرة غير مقصودة، ويقول:

أَيَا سَاقِيَ الكأْسِ الذي زَادَ خَدُّهُ عَلَيْهَا احْمِرَاراً عَدِّ بالكَأْسِ عَنْ صَحْبِي

(أيا) حرف نداء للبعيد، أي لـ(ساقي الكأس) وهو منادى مضاف، وقوله:

أَيا مَنْ لَهُ الحُسْنُ الّذي بَهَرَ الوَرَى وَمَنْ حَازَ مَعْنًى لا يُحَدُّ وَيُوصَفُ

فـ(أيا) حرف نداء للبعيد (هو الذي له الحسن) وهو منادى معرفة مبني على الضم المقدر.

ويُنادى الاسم المعرف بـ"أل"، غير لفظ الجلالة (الله)، باستعمال "أيّها" و"ايّتها"، أو باستعمال اسم الإشارة، مثل: يا أيّها الرجل، ويا هذا العامل، ومما ورد في قول الشاعر:

يا أيها الملكُ الذي حَازَ العُلى فثنى عِنانَ الفكرِ عن تحدِيدِهِ

فـ(يا) حرف نداء، "أيّها" يتوصل به لنداء ما فيه أل، وهو (الملك) وقد عُرف بأل وقوله:

يا ذا القمر المنيرُ في الآفاقِ الصَّبْرُ فُنِي فِيكَ وَوَجْدِي باقي

فـ(يا) حرف نداء، و(القمر) المنادى، فصل بينهما بـ(ذا) وهو اسم إشارة؛ يتوصل به لنداء ما فيه أل, ويجوز أن يكون (ذا) هو المنادى والقمر بدل.

ويحذف حرف النداء قبل العلم, وقبل المضاف, وقبل لفظة (أيها)، مع كل اسم لا يمكن أن يكون وصفاً لـ(أي)، مثل: زيدٌ أقبل، لأنه لا يجوز القول: يا أيّها زيد أقبل، ولا نقول رجل أقبل، لان في هذه الحالة يمكن القول: يا أيّها الرجل أقبل، وورد ما حذف من النداء في قول الشاعر:

مولايَ إنَّا في جواركَ خمسةٌ بتنا ببيتٍ ما بِهِ مِصباحُ

فحُذفت أداة النداء هنا، وتقدير الكلام: يامولاي، وقول الشاعر:

خليليَّ هل من حاملٍ لي تَحيَّةً إلى قَمرٍ نَجمُ الثُّريَّا لهُ قُرطُ

حذف حرف النداء وهو (يا) وتقدير: يا خليلي.

إذا اتصل المنادى بياء المتكلم، فيكون مكسوراً ، مثل: يامعلمي، ويمكن حذف الياء وبقاء الكسرة، إن كان صحيح الآخر أو ثبوت الياء ساكنة، مثل قوله تعالى: "يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ" ، وقوله: "يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ", ويمكن قلب الياء ألفاً مثل: يامعلما، بمعنى يا معلمي، كقول الشاعر:

تَدْبِيجُ حُسْنِكَ يا حَبِيبي قَدْ غَدَا في النَّاسِ أَصْلَ بَلِيَّتي وَبَلاَئِي

فـ(يا حبيبي) منادى اتصل به ياء المتكلم المكسور الآخر، وقول الشاعر:

يا عاذلي كن عاذري في حبِّهم لم ألق للسّلوان عنهمْ مَذْهَبا

(ياعاذلي) منادى اتصل به ياء المتكلم المكسور الآخر.

المعاني المجازية

النداء كما عَرّفناه هو التنبيه على المنادى للالتفات، وهذا ما يَهدف إليه النداء، ولكن قد يخرج في بعض الأحيان إلى معانٍ أخرى غير النداء، وتسمى بالمعاني المجازية.

فقد يكون النداء لاسم عاقل، أو لاسم غير عاقل لسبب بلاغي، فالأخير هو: نداء مجاز، ومن هذه الأنواع التي خرجت عن معناه: التوكيد والندبة، والاستغاثة، وحتى التعجب والاختصاص، وكل منهما ما يردّ بخصائصه وشروطه (2)، ومنها نوعان هما الاستغاثة والندبة.

  1. الاستغاثة:

هي "نداء من يعين على دفع الشدة"، أو "هي استغاثة بشخص لشخصٍ آخر"، ويُجر المستغاث بلام مفتوحة وجوباً، وأحياناً يُحذفُ حرف الجر منه، ويجيء بآلف في آخره، مثل: يا خالداه، وهناك عناصر للاستغاثة، وهي:

أ‌- المستغاث: ويسمى المستغاث به، مثل: (يا الله).

ب- المستغاث له: ويجر بلام مكسورة، مثل: (يا الله للمسلمين).

ج- المستغاث منه: هو المستنصر عليه، ويجر بـ(من)، مثل: يالمحمد من خالد.

كقول الشاعر:

يا للهوى من معرضٍ يصلُ التَّعتُّب صدُّهُ

(يا) حرف نداء، خرج عن معناه الأصلي إلى معنى مجازي وهو الاستغاثة، فالمستغـــاث هو (للهـوى)، والمستغــاث منه (عن معـــــــرض ومنها ما تأتي دون تعيين العناصر، من بيان المعنى، يُعرف أن القول دلَّ على استغاثة، وقول الشاعر:

يا ابْنَ العُلَى وأبا العُلى وأخا العُلى وَمَنِ النُّجوم الزهُّرْ دُون مَقامِهِ

فهو يستغيث بممدوحه وهو (ابن العلى) و (أبا العلى) و(أخا العلى)، وقوله:

فَيَا لِلَّهِ نَحْويّ جميعُ حديثهِ لحنُ

(فيا لله) استغاثة بالله تعالى.

  1. الندبة:

المندوب هو المُتَوجِع منه أو المُتَفجع عليه، ويكون مسبوقاً بـ(يا) أو (وا) وتلحق أخر المندوب ألف، إلا إذا وقع لبس، بذلك يكون المدُ مجانساً لحركة ما قبله، مثل: (وا أباكيه)، و(واوأباهوه) في ندبة (أبيك) و(أبيه) ولا يمكن ندبة النكرة، ولا المبهم مثل الأسماء الموصولة والإشارة، إلا الذي خلا من "أل" واشتهر بالصلة، مثل: (وامن حفر بئر زمزماه)، ومنها ما يرد من الندبة بصيغة التعجب، كقول الشاعر:

واعجباً ترضونَ قَتلي وأَنْتُمْ في الهَوَى حَياتِي

(وا عجبا) فـ(وا) تدلُّ على الندبة، و(عجبا) للتعجب، فهي ندبة بصيغة التعجب، وقول الشاعر:

واعجبا والقلبُ يشكو وحشةً إليكمْ وأنتمُ حلُولُهُ

(وا عجبا) دلَّت على ندبة القلب الذي شكا الوحشة والفراق.







رائج



مختارات